المقدمة
أيهما أسبق وأولى : إصلاح القضاء أم إصلاح منظومة العدالة ؟
إن مشروعية هذا التساؤل تجد سندها في تاريخ القضاء المغربي وخطب جلالة الملك والاهتمامات اليومية للمواطن والمتقاضي المغربي منذ ما يزيد على ثلاثة عقود ، فكل هذه الأسانيد تفيد أن التركيز كان دائما على إصلاح القضاء بصفة خاصة وليس إصلاح منظومة العدالة ، أو على الأقل فإن إصلاح هذه المنظومة ليست له الأسبقية، بل ليس هناك في الواقع فصل بين إصلاح القضاء والعدالة نظرا للعلاقة الوثيقة بينهما ، ذالك إن الدولة إذا استطاعت أن تصلح القضاء فهي لن تصلح بالتبعية العدالة فحسب بل إن كل القطاعات الاقتصادية و الاجتماعية والمرافق العمومية للدولة ومؤسساتها ستنضبط حتما للإصلاح ، فالقضاء هو بمثابة القاطرة التي تقود قطار الإصلاح يتحرك إن تحركت ويقف إن توقفت.
وكتعريف لإصلاح القضاء يمكن أن نقول بأنه Sad( يراد بإصلاح القضاء أو منظومة العدالة القيام بعملية فرز الأجزاء أو العناصر الفاسدة أو المختلة في جهاز القضاء أو منظومة العدالة (نصوص قانونية ، بنية تحتية ،موارد مادية،موارد بشرية ...الخ )عن العناصر الصالحة في ذات الجهاز أو المنظومة ، والقيام بعد ذالك بإصلاح الأجزاء أو العناصر الأولى التي تعاني من خلل ما ، والإبقاء على الأجزاء أو العناصر الثانية أي الصالحة كما هي مع تطوير أدائها إن أمكن )) ، هذا التعريف يحدد و يلخص ويعكس في الواقع إشكالية إصلاح القضاء أو منظومة العدالة ،وكيف نتصور هذا الإصلاح ، وكل واحد منا له تصوره الخاص به حول ملفات وإشكاليات الإصلاح ولكن المنطق يقتضي الاتفاق على حد أدنى من الإشكاليات أو الملفات
فباعتبار العدالة هي عماد سلطة الدولة، أساس الديمقراطية التي تحمي الحقوق والحريات، وتضمن سمو القانون وتوطيد دولة الحق.
وتبعا لذلك فإن العنصر الذي يتحكم في الثقة التي يوليها المواطنون والشركاء الأجانب لنظام حكم معين، ويساهم بشكل فعلي في التنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية هو الإحساس بالأمن والاعتقاد الراسخ بأن القانون يطبق على الجميع.
إن إصلاح القضاء يعد بالنسبة للمغرب ضرورة حيوية، وإن كان يجب أن يأخذ هذا الإصلاح بعين الاعتبار التجارب الأجنبية التي أثبتت فعاليتها، فإنه يتعين أن يستند أساسا على تاريخنا وثقافتنا وإرثنا القانوني وتطلعاتنا المستقبلية.
و من أهم هذه الأسس التي يجب اعتمادها في هذا الإصلاح هي:
• الدستور :
يجعل الدستور المغربي من السلطة القضائية سلطة مستقلة عن السلطتين التنفيذية والتشريعية، ويضمن عدم قابلية قضاة الحكم للنقل والعزل ووضع المجلس الأعلى للقضاء تحت الرئاسة الفعلية لصاحب الجلالة.
فالدستور يكرس استقلال السلطة القضائية كمبدأ أساسي، ليس كامتياز يمنح للقضاة ولكن كشرط لضمان حسن سير العدالة وفرض نزاهتها وحقا للمواطنين في عدالة مستقلة، و هذا ما تؤكده الفصول التالية :
الفصل 107: -السلطة القضائية مستقلة عن السلطة التشريعية وعن السلطة التنفيذية.
الملك هو الضامن لاستقلال السلطة القضائية
الفصل 108: لا يعزل قضاة الأحكام ولا ينقلون إلا بمقتضى القانون.
• الإرادة الملكية :
منذ أول خطاب للعرش سنة 1999 دعا جلالة الملك محمد السادس إلى ترسيخ دعائم دولة الحق والقانون وجعل إصلاح منظومة العدالة من بين أولويات ورش الإصلاح الشمولي للبلاد.
ومنذ ذلك الحين ما فتئ جلالته يؤكد على هذه المسألة في محطات مختلفة .
• الإجماع الوطني :
يعتبر إصلاح العدالة اختيارا لا رجعة فيه، كان وما يزال موضوع توافق الجميع من أحزاب سياسية ونقابات ومنظمات وهيئات حكومية وغير حكومية، ومن عامة المواطنين والمتقاضين؛ إذ يطالب الجميع بحقه في عدالة مستقلة، فعالة، متطورة، مؤهلة، ذات كفاية مهنية وبعيدة عن الشبهات؛ عدالة تحقق القرب وتدعم التواصل.
• الالتزام الحكومي :
إن الإصلاح العميق والشامل لمنظومة العدالة يأتي في صدارة أولويات برامج الإصلاح الحكومي وذلك بغرض تعزيز المكانة الدستورية للقضاء الذي تم الارتقاء به إلى سلطة مستقلة، نظرا للدور الحيوي للعدل في البناء الديمقراطي وتوطيد الاستقرار الاجتماعي والتنمية الاقتصادية، وحماية حقوق والتزامات المواطنين والفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين، وباعتبار القضاء ملاذا لصون الحقوق والحريات وضمان ممارستها الفعلية، وتحقيق الأمن القضائي والالتزام بسيادة القانون، وترسيخ الثقة الكفيلة بالتحفيز على المبادرة والاستثمار.
لكن و بالرغم من كل هذه العناصر تبقي الإشكالية المطروحة هنا : أين تكمن بالضبط مكامن الخلل في القضاء المغربي؟ و ما هي البدائل التي ستساهم في إصلاح هذا القضاء ؟
ومن أجل معالجة هذه الإشكالية، سنعتمد التصميم التالي :
المبحث الأول : مكامن الخلل في القضاء المغربي
المبحث الثاني : البدائل من أجل إصلاح القضاء المغربي
المبحث الأول : مكامن الخلل في القضاء المغربي
المطلب الأول :الفاعلون في المشهد القضائي :
إن الحديث عن المنظومة القضائية يتطلب الأخذ بعين الاعتبار مجموعة من القطاعات الفاعلة في المشهد القضائي كقطاع التعليم مثلا وقطاع العدل ومن يدور في فلكه من خبراء وكتاب الضبط وأعوان قضائيين وغيرهم للمرور إلى قطاعات أخرى لا تقل أهمية عن الأولى كضباط الشرطة القضائية وموظفي الإدارات العمومية والمؤسسات والوكالات العمومية وغيرهم وسنكتفي بدراسة وضعية كل من القضاة وكتاب الضبط وكذا المحامون .
الفرع الأول : القضاة
إذا كان العدل في مقولة ابن خلدون هو أساس الملك فلا بد من التأكيد على أن استقلال القضاء هو أساس العدل، وهذا يعني أن استقلال القضاء والقاضي مرتبط ارتباطا عضويا برسالة العدالة، بحيث لا يمكن أن يكون القضاء إلا إذا كان مستقلا، تحيطه ضمانات ترمي في مجملها إلى توفير الحياة الآمنة الكريمة للقاضي وكافة السبل الفنية والمادية التي تسعفه على أداء رسالته المقدسة على أكمل وجه، وتلك التي تكفل وضع قواعد موضوعية تحكم تعيينه ونقله وترقيته وانتدابه وتأديبه وعزله، وتحميه من مؤامرات السلطة التنفيذية وضغوطها وتدخلاتها .
والقضاء المغربي ظل على الدوام موضع جدال، لاسيما بخصوص نزاهته واستقلاليته وعدالة أحكامه ودرجة ثقة المواطنين به وبقراراته؛ طبعا لا يمكن للقضاء أن يحقق المكانة الجديرة به إن هو لم يحظ بثقة المتقاضين على وجه الخصوص. ومادام عدل ونزاهة قضائنا كانا على الدوام قاب قوسين أو أدنى، فانه لا جدال في وجود أربع تحديات تطرح على القاضي المغربي وهي تحدي الاستقلالية وتحدي الأخلاق، وتحدي الفعالية، وتحدي العصرنة
فإذا كان تحدي الاستقلالية يجد مرتكزه في عدة مؤشرات منها استعمال القضاء في بعض الأحيان لتصفية "حسابات سياسية"وكذا التبعية لوزير العدل،والتي تتعلق بكل مجالات النظام الأساسي للقضاة؛ ابتداء من التعيين ومرورا بالترقية والنقل وانتهاء بالتأديب والعزل والتقاعد،ولعل الارتباط العضوي الرئاسي لقضاة النيابة العامة بمختلف المحاكم بوزير العدل، يشكل أهم مظهر للتبعية الإدارية والقانونية لهيئة النيابة العامة للوزير . فان التحدي الأخلاقي له عدة مظاهر، منها "أن التصنيفات المقدمة من خلال التحريات والاستطلاعات المنجزة محليا، تظهر أن قطاع العدل يحتل الصدارة ضمن القطاعات التي تمسها آفة الفساد والرشوة ما تعكسه أيضا تقارير المنظمات الحقوقية وسيل الشكايات التي يقدمها المواطنون ، كما لا توجد في القانون المغربي مدونة للأخلاقيات القضائية، على غرار ما هو موجود مثلا بالنسبة لبعض المهن الأخرى
كمهنة الطب
ينضاف إلى ذلك كون القاضي المغربي يعاني من غياب العصرنة وضعف الفعالية نتيجة للطابع المنغلق الذي يتسم به التكوين الذي يتلقاه، لذلك فمن اللازم ونحن في إطار ورش إصلاح المنظومة القضائية بالمغرب التفكير في تكوين مكتمل يستند على الرؤية الجديدة للتطور المستقبلي للقضاء المغربي
الفرع الثاني : كتاب الضبط
إن رصد وضعية كتابة الضبط ووضع اليد على مكامن الخلل والعراقيل باعتبار كتابة الضبط جزء لا يتجزأ من المنظومة القضائية. وتتمثل مظاهر الهشاشة التي تعرفها هيئة كتابة الضبط فيما يلي:
تحسين الوضعية المادية لموظفي هيئة كتابة الضبط، وذلك بإصدار مرسوم القانون الأساسي لهيئة كتابة الضبط، إلا أن هذا القانون جاء مع الأسف دون تطلعات موظفي هيئة كتابة الضبط على مستوى التحفيز وتعويضا لهم عن الديمومة وساعات العمل الإضافية وكذلك تعويضات أخرى عن الأعباء وذلك تحصينا لهم من كل الإغراءات
على المستوى المعنوي ما زال أطر هيئة كتابة الضبط يعانون الكثير من المشاكل الناتجة عن النظرة التاريخية الدونية التي بصمت على هيئة كتابة الضبط منذ إحداثها في التنظيم القضائي المغربي، والحال أن كاتب العدل في الإسلام كان يتمتع بما يتمتع به القاضي نفسه من الحقوق والامتيازات، ولا ينظر إليه ككاتب للقاضي بل يتبوأ نفس مكانته
على المستوى الهيكلي في وجود فراغ تشريعي كبير لا مثيل له في كافة الوظائف العمومية، ويتمثل هذا الفراغ في عدم وجود قانون لتنظيم هيكلة كتابة الضبط داخل المحاكم وكل ما هناك منشورات وزارية قديمة لا ترقى لمستوى القوانين.
الفرع الثالث : المحامون
المحامي بطبيعة الحال هو الذي يمثل مؤسسة الدفاع ويدافع عنها ويساعد القاضي في البحث وتجهيز العناصر المتعلقة بالدعوى سواء تعلق الأمر بالوقائع أو بالقانون والكل بهدف إقرار العدل فلا يمكن بالتالي تصور قضاء بدون محاماة ولا تصور محاماة بدون قضاء إذ لا غنى لأحدهما عن الأخر
فبالنسبة للمحاماة التي أضحت تعاني الأمرين أمام عدم استقلال القضاء وأمام عدم استقلال المحاماة و قانون لم يتأقلم مع التطور الاجتماعي الوطني والإقليمي والدولي بحيث أصبحت توضع علامة استفهام أمام مستقبل هذه الرسالة وهذه المهنة.
إن القانون المنظم لمهنة المحاماة أصبح بحاجة إلى التحديث في الكثير من جوانبه تمشيا مع متطلبات العصر ومناخ الانفتاح على الآخر و مناخ العولمة وتحرير الخدمات القانونية لتكون المحاماة فعلا دعامة أساسية أولى للقضاء وليصبح هذا الأخير يجسد فكرة العدالة في سموها وروعتها.
والإصلاح يجب أن يشمل جميع المحاور الواردة بالقانون مع إضافة محاور جديدة عند الضرورة
ولا يجب أن ينصب التعديل على الجانب المادي للمهنة فقط رغم أن هذا الجانب يلعب دورا مهما في تحصين المحامي إذ لا يمكن للمحامي القيام بمهامه بأمانة ولا يمكنه أن يكون خير عون للقضاة إن هو لم يكن مستقلا ماديا.
كما يتوجب على المشرع أن يجتهد ويحلل ويشرح الدور الذي تلعبه المحاماة كرسالة وكمهنة داخل المجتمع كما عليه أن يحلل وان يشرح المهام الموكولة للمحامي وما ينتظره هذا المجتمع من هذا المحامي ومن المهنة ككل. وحتى يكون المحامي المغربي غدا على كامل الاستعداد للمنافسة فان علينا الوقوف على شروط ولوج المهنة والتكوين والتكوين المستمر .
فمما لا شك فيه وفي سبيل مواجهة التحديات العالمية الجديدة فان المحامي مدعو للتكوين والتكوين المستمر وتأهيل المحامي المغربي حتى يكون على بينة من المتغيرات المتلاحقة والسريعة ويكون بالتالي في المستوى المرغوب فيه وطنيا وإقليميا ودوليا. ومن جهة أخرى وحتى يتمكن المحامي من القيام بمهامه باستقلالية فلا بد من التأكيد على دعمه بحصانة لا تقل درجة على حصانة القضاة نظرا لجسامة مسؤولياته ولخطورة المهام التي يتقلدها.
الفرع الرابع : المهن المساعدة للقضاء
إن واقع المهن القضائية والحقوقية يثير كثيرا من القلق. ومع أن إحصائيات وزارة العدل تفصيلية وتعكس تزايدا في عدد المتابعات الزجرية والتأديبية والعقوبات الموقعة في حق بعض المحامين والموثقين والعدول والمفوضين القضائيين والخبراء والتراجمة وتعكس ارتفاع وتيرة الشكايات والتظلمات المثارة، إلا أنها بعيدة عن نقل الحقيقة، لأن عددا من المتضررين لا يجرؤون عن التظلم، ولأن عددا من المهنيين كثيرا ما لا يتركون أثرا لمخالفاتهم.
وفي الخلاصات الموالية المستخلصة من الإحصائيات الرسمية )عن سنوات 2007 إلى 2011 ، )إبرازٌ لمقدار التزايد المقلق للمتابعات في السنوات الأخيرة:
1. بالنسبة للموثقين:
نستنتج من خلال قراءة الإحصائيات المذكورة أن:
• عدد الموثقين المسجلين ارتفع خلال خمس سنوات من 633 إلذ 893 ، أي بحوالي % 30
• أن وتيرة المتابعات الجنائية تضاعفت 4 مرات أو أكثر ما بين 2010 و 2011 .
• أن 2/3 ثلثي الشكايات )ووصلت إلى غاية يونيو 2012 ، 233 شكاية( تتعلق بموثقين من الرباط والدار البيضاء.
• أنه يوجود بفاس 44 موثقا ولم تقدم سوى شكاية واحدة، بينما في أكادير يوجد 23 موثقا سجلت ضدىم 41 شكاية.
• وإن هذه الزيادة المثيرة في عدد المتابعات والتظلمات تثير أكثر من سؤال، فهل مرد ذلك تفعيل الرقابة أم وعي الناس بحقوقهم أم ارتفاع معدل الجرائم؟
بالمقابل، قانون التوثيق العصري الجديد أسند للوكيل العام للملك صلاحيات متعددة في مجال المراقبة والتفتيش والتأديب وأسند للمجالس الجهوية سلطات قريبة من ذلك، وأحدث لجنة إدارية بوزارة العدل للبت في المتابعات التأديبية المثارة.
فإلى أي حد سينجح القانون الجديد في الحد من انحراف الموثقين؟ أم أن الرهان الأكبر هو جودة تطبيق النصوص؟
2. العدول:
مسايرة لتطوير المهنة فرض القانون الجديد المنظم لخطة العدالة مبادئ وأعراف وأخلاقيات وواجبات مهنية، وأسند الرقابة والتأديب والمتابعة إلى كل من وزير العدل و قاضي التوثيق والوكيل العام للملك.
إنما مقابل هذه التدابير التي أوجدها القانون الجديد تُبنين إحصائيات وزارة العدل ما يلي:
• ارتفاع وتيرة المتابعات التأديبية في حق العدول بشكل ملحوظ خلال السنتين الأخيرتين )عدد المشتكى بهم 428 )
• أن الشكايات في مواجهة العدول بلغت في آخر يونيو 2012 ما مجموعه 465
• أن الإخلالات المهنية هي السمة الغالبة في المتابعات.
• أن مدينة مكناس وحدها تستأثر بحوالي نصف المتابعات 197 )شكاية ضد 118مشتكى بهم(، تليها تطوان 39والرباط ) 33 ( ومراكش ) 31 .)
• تأخير ملحوظ في البت من قبل غرفة المشورة بمختلف محاكم الاستئناف 56 ) قضية من أصل 104 متابعة لم يحصل فيها بت(.
• بطء في إجراءات البحث...
3. المفوضون القضائيون:
يلتزم ظهير 28 أكتوبر 2008 المفوض القضائي بالحفاظ على مبادئ وتقاليد وأعراف المهنة ويحرص على تثبيت أخلاقياتها وعلى تقيده بواجباته المهنية... ويخضعه لمراقبة رئيس المحكمة ولأعوان الإدارة الجبائية وللتفتيش من طرف وكيل الملك والمجلس الجهوي للمفوضين القضائيين.
وتبين إحصائيات الوزارة الوصية أنه:
• خلال الخمس سنوات سجلت 258 تشمل 171 مشتكى بهم، و 162 متابعة )بمعدل 32 متابعة في السنة(.
• أن حوالر 90 % من المتابعات التأديبية انتهت بالمؤاخذة.
• أن أربعة محاكم سجلت بها أكثر من نصف الشكايات وهي وجدة 60) شكاية( والرباط 46) شكاية( وتازة 28) شكاية( وطنجة 26) شكاية(.
4. بالنسبة الخبراء القضائيين
يؤدي الخبير مهمته تحت مراقبة المستشار المقرر أو القاضي المكلف بالقضية، ويخضع من جهة ثانية لمراقبة الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف بالرباط والوكيل العام للملك لديها. علاوة على امتثاله - عند الاقتضاء – أمام لجنة المتابعة و التأديب التي يترأسها ممثل لوزير العدل بحضور ثلاثة رؤساء أولين لمحاكم الاستئناف، وثلاثة وكلاء عامين لديها، وخبيرين قضائيين من بينهما رئيس الهيئة أو من ينتدب لهذه الغاية.
ورغم حرص القانون على تثبيت مبادئ الرقابة، فالإحصائيات تبين ما يلي:
• أن عدد الشكايات في مواجهة الخبراء خلال السنتين الأخيرتين تضاعف ثلاث مرات.
• أن أغلب الشكايات يتقرر فيها الحفظ لعدم ثبوت الدليل على ارتكاب المخالفة من طرف الخبير.
• أن الجزاءات المتخذة من طرف اللجنة خلال خمس سنوات بلغ 32 جزاء أغلبها في شكل إنذار( 23 .)
• أن 66 قضية لازالت مؤجلة لم يتم الحسم فيها من طرف اللجنة التأديبية.
5. بالنسبة للتراجمة
حصر القانون 05 - 00 لسنة 2001 ترجمة التصريحات الشفوية والوثائق والمستندات المراد الإدلاء بها أمام القضاء في التراجمة المرخص لهم للترجمة إلى اللغة أو اللغات المشمولة بالترخيص، شريطة أن يتقيد بنص ومضمون تلك الوثائق والتصريحات وأن لا يشرع في ممارسة مهامه إلا بعد فتح مكتبه في دائرة محكمة الاستئناف المسجل بها.
ثم بين نفس القانون الواجبات المهنية للترجمان وحرصه على شرف ونزاهة وأخلاق المهنة تحت طائلة التأديب والمتابعة. ومن أجل ذلك أوجد المشرع وسائل للرقابة وأسندها لمؤسسات بعينها منها:
الوكيل العام للملك
وكيل الملك
الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف
وأسند التأديب للجنة تتشكل من ممثل عن وزير العدل بصفته رئيسا ورئيس أول لإحدى محاكم الاستئناف ووكيل عام للملك يعينهم وزير العدل ورئيس الجمعية المهنية للتراجمة، وترجمان مقبول لدى المحاكم يعينه وزير العدل باقتراح من رئيس الجمعية المهنية للتراجمة.
وتبين الإحصائيات أن عدد المتابعات التأديبية خلال الخمس سنوات الأخيرة بلغ 18متابعة انتهت 9 منها بالإنذار وإثنان بالحفظ وتم تأجيل النظر في 7 متابعات.
المطلب الثاني : طرق تصريف العدالة
يقوم النظام القضائي بالمغرب، كما هو الحال بالنسبة للعديد من الدول والأنظمة، على مبدأ استقلال القضاء عن السلطتين التنفيذية والتشريعية، وهو ما نصت عليه كل الدساتير المتعاقبة منذ دستور 1962 إلى غاية الدستور المراجع سنة 2011
فما هي طبيعة الاختلالات التي تعرفها طرق تصريف العدالة ؟
الفرع الأول : الخريطة القضائية
يقصد بالخريطة القضائية التوزيع الجغرافي للمحاكم على صعيد تراب المملكة، هذه الأخيرة تعاني من التضخم العددي والنوعي مما يؤثر على مستوى أداء الإدارة القاضية.
فتشخيص الاختلالات في حجم النشاط القضائي الذي يسقطه المجتمع على المحاكم المغربية، على تنوعها وتعدد درجاتها، هو الذي يتحكم، ويتعين أن يتحكم في التحديد العددي والنوعي لمشتملات التنظيم القضائي من المحاكم، فإن الإحصائيات توضح تضخما عدديا في المؤسسات القضائية ببلادنا، لا يتناسب مع حقيقة المسجل عدديا ونوعيا من القضايا. ذلك أن الحسم في المآل القضائي للقضايا البسيطة في معرض تدقيق وتفكيك المسجل من القضايا البسيطة (قضايا المقاطعات) جدا في تدبيرها المسطري والفصل فيها، سواء فيما يتعلق بالجوهر أو المدة الزمنية المتطلبة للبث فيها. وإن هذا الكم من القضايا الذي يضخم الأرقام، ويثقل كاهل المحاكم الابتدائية حيث إن الإحصائيات المذكورة المتعلقة بالسجل، موزعة على 67 محكمة ابتدائية، توزيعا غير متوازن يكشف عن الاختلال الذي أحدثه التشبث بالبعد الجغرافي لمبدأ التقريب،
ذلك أن :
• على صعيد المحاكم الإبتدائية
1-11 محكمة ابتدائية، مرتبة من الأعلى إلى الأسفل حسب حجم نشاطها القضائي، تسجل مجتمعة 50,73% من المسجل وطنيا على صعيد المحاكم الابتدائية بالمملكة ، بمعنى أن سدس عدد المحاكم يسجل أكثر من نصف نشاط المحاكم الابتدائية مجتمعة.
2-33 محكمة ابتدائية، المرتبة من الأعلى إلى الأسفل: حسب حجم نشاطها القضائي، تسجل مجتمعة 80,44% من مجموع المسجل وطنيا. ويمثل عددها نصف المحاكم الابتدائية بالمملكة، بينها النصف لا يتعدى ما يسجله 19,56%
3- 44 محكمة ابتدائية، حسب الترتيب من الأعلى إلى الأسفل، تسجل مجتمعة 89,84% من المسجل وطنيا. بينما 22 محكمة الباقية وتمثل ثلث عدد المحاكم الابتدائية، تسجل فقط 10,66%.
4- إن 15 محكمة ابتدائية الأقل نشاطا قضائيا، المرتبة من الأسفل إلى الأعلى، لا يتعدى ما تسجله مجتمعة 5,4% من مجموع المسجل وطنيا.
• على صعيد محاكم الاستئناف
فالعدد المسجل لا يتعدى 251.558 ملفا منها 74.784 ملفا مدنيا. و 176.784 ملفا جنحيا وجنائيا، نسلم بأن جميعها قضايا دقيقة وهامة، وتتطلب مجهودا قضائيا كبيرا على المستوى الإجرائي وعلى مستوى الضمانات والإتقان والصنعة.
حيث أن عدد القضايا المسجلة بمحاكم الاستئناف البالغ عددها 251.558 ملفا، موزعة على 21 محكمة بالتفصيل التالي:
تسجل محاكم الاستئناف الخمس الأولى، الأكثر نشاطا قضائيا عدد 47,85% من مجموع ما تسجله محاكم الاستئناف بالمملكة. وبالمقابل فإن المسجل لدى 16 محكمة الباقية مجتمعة، يبلغ 52,15%. بحيث أن ما يقارب نصف المسجل الوطني، تتحمله خمسة محاكم، والنصف الثاني موزعا على 16 الباقي.
تسجل 10 محاكم استئناف، كما هي مرتبة حسب حجم نشاطها القضائي العددي، من الأعلى إلى الأسفل 74,78% من مجموع ما هو مسجل وطنيا على صعيد محاكم الاستئناف. وبالمقابل فإن 11 محكمة الاستئناف الباقية تسجل مجتمعة 25,22% من مجموع المسجل وطنيا.
تسجل 12 محكمة استئناف الأكثر نشاطا قضائيا، مرتبة من الأعلى إلى الأسفل 81,89% من مجموع المسجل وطنيا على صعيد هذه المحاكم بينما تسعة محاكم الاستئناف الباقية تسجل مجتمعة 18,11%.
إن 5 محاكم استئناف المرتبة في أسفل الترتيب، حسب عدد المسجل لديها من القضايا، تسجل مجتمعة 4,37% من مجموع المسجل وطنيا، بالرغم من أنها تشكل ربع مجموع عدد محاكم الاستئناف عدديا.
• على صعيد المحاكم التجارية
تتحدد معالم الخريطة القضائية على النحو التالي:
الاكتفاء على صعيد المحاكم التجارية بمحكمة الاستئناف التجارية والمحكمة التجارية بالدار البيضاء، وإدماج ما تبقى من المحاكم، داخل غرف أو أقسام متخصصة في إطار المحاكم ذات الاختصاص الترابي الموزعة على المملكة. فالإحصائيات الكمية والنوعية لنشاط المحاكم التجارية، تبين أن محكمة الاستئناف بالدار البيضاء تسجل لوحدها، حسب إحصاء سنة 2008، ما مجموعه 6084 ملفا بنسبة 65% من المجموع المسجل وطنيا، كما سبقت الإشارة إليه.
بينما تسجل محكمة الاستئناف التجارية بمراكش 1900 ملفا بنسبة 17% وتسجل محكمة الاستئناف التجارية بفاس 2049 ملفا بمجموع 18% وهما معا يمثلان 35% من مجموع نشاط القضاء التجاري بالمملكة كما أن المحكمة التجارية بالدار البيضاء، تسجل لوحدها 66425 ملفا حسب إحصاء سنة 2008. وبالمقابل فإن المحاكم التجارية بكل من فاس ومكناس وطنجة ووجدة وأكادير ومراكش تسجل مجتمع 24918 ملفا فقط وهو ما لا يمثل إلا ثلث المسجل العام. علما بأن القضايا التجارية بالدار البيضاء، تتميز من حيث النوعية بالتعقيد والأهمية بالمقارنة مع الرائج ببقية محاكم المملكة.
الفرع الثاني : إجراءات التقاضي
أ. التبليغ والتنفيذ
تبليغ الاستدعاءات وتنفيذ الأحكام الزجرية من أكبر المعيقات التي تواجه العدالة معتبرة أن أغلب حالات البطء وعدم الفعالية سببها تعثر التبليغ وتعذر التنفيذ بالنسبة لتنفيذ العقوبات السالبة للحرية وتعثر سير التنفيذ يتطلب وضع نظام جديد بتنفيذ العقوبات المالية المحكوم بها.
فالأمر الطبيعي هو أن المواطن حين يتوجه إلى القضاء، فإنه يسعى لاستصدار حكم لصالحه يحمي حقوقه المعتدى عليها من قبل الإدارة، وهذه الحماية تبقى نظرية، ما لم ينفذ هذا الحكم، وما لم يجد القاضي الوسيلة لإجبار الإدارة على تنفيذه، في حالة امتناعها عن ذلك.
وبالتالي فما جدوى أن يجتهد القاضي الإداري في إيجاد الحلول الناجعة للقضايا المعروضة عليه بشكل يتلاءم وصون الحقوق والحريات والمشروعية إذا كان مصير أحكامه هو الموت؟
ثم ما الجدوى من تحمل عبء رفع الدعوى ومتابعة إجراءاتها من أجل الحصول على حكم يبقى تنفيذه رهينا بحسن نية الإدارة المنفذ ضدها؟!
وظاهرة عدم تنفيذ الإدارة للأحكام الصادرة في مواجهتها، ليست بإشكالية جديدة، بل هي ظاهرة معروفة منذ القدم، ولا أدل على ذلك من مقولة الرئيس الأمريكي الأسبق ” جاكسون” 1832 في حق القاضي “مارشال” رئيس المجلس الأعلى للولايات المتحدة:” لقد أصدر مارشال حكما فلينفذه إن استطاع”.
وقد حاولت السلطة التنفيذية احتواء هذه الإشكالية من خلال إصدار منشورات تحث فيها الإدارة على تنفيذ الأحكام الصادرة ضدها، لكن هذه المحاولة لم تحقق أي نتيجة بسبب غياب الطابع الإلزامي لهذه المنشورات.
لقد استفحلت هذه الظاهرة- ففي سنة 2001 لم يتم تنفيذ سوى 712 من أصل 3169 حكم إداري، بمعنى أن عدد الأحكام المنفذة لم يتعدى نسبة 22.47%، بينما نسبة غير المنفذ وصلة إلىw.53-
يدعون إلى البحث عن السبل الكفيلة بإرغام الإدارة، على تنفيذ الأحكام الصادرة ضدها، خاصة عندما يكون وراء عدم التنفيذ سوء النية و التماطل والمواقف الشخصية للمسؤولين الإداريين المتنكرين بشكل صارخ ومستفز لا يخلو من نبرة التحدي لمبادئ العادلة والإنصاف.
وقد حاول القضاء الإداري المغربي التصدي لهذه الإشكالية، من خلال مجموعة من الأحكام، الأمر الذي يطرح تساؤلات عن مدى فعالية هذه المحاولات في إجبار الإدارة على تنفيذ الأحكام الإدارية؟
وهي تساؤلات ستبقى مطروحة سواء على المستوي القانوني أو على مستوى إرادة التنفيذ
ب. التضخم والاكتظاظ
المحاكم المغربية ترزح تحت وطأة التضخم والاكتظاظ وهو ما يترتب عليه الكثير من أعطاب العدالة مثل البطء ونقص الفعالية وعدم احترام معايير الجودة وتأخر البت في تدني القضايا وغياب التعمق في النزاعات المهمة وكذا تخصيص الوقت الكافي لبحث وتحقيق القضايا ثم جودة الأحكام القضائية.
وتتجسد ظاهرة التضخم والاكتظاظ على عدة مستويات وهي تضخم النصوص التجريمية وتضخم في عدد القضايا وتضخم في عدد الجلسات ارتفاع نسبة المعتقلين والعقابية للاحتياطيين وارتفاع عدد الطعون في الأحكام.
ت. البطء والتدني
نجد في المحاكم أعمار الملفات التي تتفاوت وتختلف باختلاف القضايا حيث تحكم بعضها داخل بضعة أسابيع في حين يستغرق البت في القضايا الأخرى عدة سنوات وهذا راجع للانتقال الذي تعرفه المحاكم..
ث. مبدأ الشفافية
إن نقص الشفافية يؤدي إلى انعدام الثقة التي من المفروض أن تتمتع بها العدالة في نفوس من يلجأون إليها وهو الأمر الذي يجعل الكثير من المتقاضين يشكون من عدم تمتعهم بأبسط حقوقهم في معرفة مآل الشكايات والدعاوي التي يتقدمون بها إلى المحاكم وقد يدفعهم ذلك إلى البحث عن أساليب أخرى غير نظيفة للحصول على معلومة أو خدمة بسيطة.
ج. مشاكل الخبراء
تطرح قضية الخبراء عدة مشاكل تعوق نزاهة وسرعة العدالة فليس هناك تنظيم محكم بخصوص اعتمادهم ومراقبتهم كما تطرح مسألة الزبونية في التبعيات وتطرح قضايا الرشوة والابتزاز الذي يمارسه بعضهم على المتقاضين مقابل خبرة لفائدتهم ويشتكي بعضهم من هزالة الأتعاب المقررة للخبرة كما يلاحظ تكوين لدى البعض مما يطرح أسئلة حول اعتمادهم. وبما أن الخبرة يؤخذ بها القاضي على سبيل الاستئناس يمكن للقاضي أن يستبعد تقرير الخبرة بصفة كلية وله أن يستعين بخبير آخر بدلا عنه. والمحكمة غير ملزمة برأي الخبير لا بحكم التعويض المقترح من طرفه فما الجدوى من طرف هذه المسطرة، إلا امتداد وتعطيل الإجراءات.